التخطي إلى المحتوى

67fbc28cae

 

حين أعلنت المحكمة الجنائية الدولية جدية تحركاتها لاعتقال عدد من القيادات الفلسطينية والإسرائيلية، أهمهم يحيى السنوار ومحمد الضيف القياديان في حركة حماس، وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وجالنت وزير الحرب، حشدت الحكومة الإسرائيلية ممثليها في عواصم العالم لمنع تنفيذ قرار المحكمة. كما لجأت إلى الراعي الأمريكى ليمارس ضغوطه علي المؤسسة القضائية الدولية، وشددت على أن مجرد مقارنة مسئوليها بمسئولي الحركة الفلسطينية هو معاداة للسامية.

حين تناقش أي تصرف إسرائيلي، والأمثلة تتعدد فى التهجير والتشريد والاعتقال والقتل، فأنت ضد السامية. وضعت إسرائيل إطار السامية حول آرائها وتصرفاتها، بل وجرائمها. من يؤاخذها، ويعترض على ما ترتكبه من جرائم معلنة، بلغت حد العدوان العسكرى على الدول والأفراد، حتى لو ابتعدت عن فلسطين المحتلة بآلاف الكيلو مترات، فإن الميديا الصهيونية تواجهه بتهمة العداء للسامية، تناسى حاخامات الكيان الصهيوني وقادته أن الاتهام بمعاداة السامية قد يسهل تقبله لمن لا يعرفون الحقائق. أما بالنسبة للعرب، فالاتهام مجرد نكتة، لأن العرب – كما نعلم – ساميون!

إذا كانت التهمة الجاهزة التي تحرص الحكومة الإسرائيلية على توجيهها لكل من يعترض على سياساتها، أو ممارساتها اللاإنسانية، فإن قدرة مؤرخيها وحاخاماتها يصعب أن تلغي سامية العرب، فهي ليست قاصرة فحسب على بني إسرائيل.

نأتي إلى نقطة مهمة، تالية، يطرحها سؤال غسان كنفاني: إذا كان العرب واليهود ينتمون إلى عرق واجد، فلماذا يتخذ تاريخ الشعبين اتجاهين مختلفين؟

بالإضافة إلى أن العرب – والقول لكنفاني – هم ساميون أصلًا، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا لا ساميين، فإنه – من ناحية سيكولوجية – يستحيل أن يكون العربي المسلم بالذات لا ساميًا، لأن جوهر اللاسامية وأساسها هما قصة صلب اليهود للسيد المسيح، الأمر الذي ينكره العقل الإسلامي أصلًا.

ثم يجيب غسان كنفاني عن السؤال بقراءة في كتاب ” اليهود والعرب – علاقاتهم عبر الأجيال” لليهودي س. د. جوتين بأنه لا يستطيع أن يتصور أي نوع من الانفصال بين الدين الإسلامي والقومية العربية، لذلك فهو يحمّل العرب مسئولية السلوك القومي للشعوب التي اعتنقته، وخاصة العرب. فإذا تجاوزنا هذه الخطيئة المهلكة في منهج البحث -الكلام لكنفاني – نجد أن محاولة المؤلف اكتشاف أسباب افتراق تاريخ العرب عن تاريخ اليهود ستقع – وهو ما حدث فعلًا – في خطأ مهلك آخر، وهو أن ما أسماه بالشعب اليهودي لم يكن خلال الألفي سنة الأخيرة يشكل وحدة قومية أو جغرافية أو حضارية أو ثقافية واحدة، ليجوز إحداث أي نوع من المقارنة، وأن عليه – إذا أصر على إجراء المقارنة – أن يعتبر اليهودية عرقًا. لذلك فإن المؤلف الذي يحاول سد هذه الثغرة في البحث لا يستطيع – خلال البحث عن فروق بين تاريخ الشعب العربي وتاريخ اليهود – إلّا التقرير بأن تفوق اليهود على العرب، عبر التاريخ، إنما يعود لأسباب عرقية، لميزات مخلوقة خلقًا مع اليهود، وممتنعة بالقضاء والقدر عن العرب. فهو يعتقد – وأعتذر لطول الاستشهاد – أن أسبقية الإنسان اليهودي على بقية الديانات يمكن أن ينبثق عنها أسبقية الإنسان اليهودي عن بقية البشر، من حيث الوعي والقيمة.

حرية الرأى التى تباركها الصهيونية تشمل كل ما فى حياتنا: الذات الإلهية والأديان والأنبياء والزعماء التاريخيين.. كل شىء.. لكن الاقتراب من السامية – حتى لو لم يكن ذلك كذلك – خط أحمر لا سبيل إلى تجاوزه!

تحت شعار معاداة السامية يندرج كل ما من شأنه معارضة الآراء والتصرفات والدعاوى الصهيونية . أنت تختلف مع الصهيونية فى تلك النقطة أو تلك فأنت معاد للسامية!

نقطة البدء الفكرية لمعاداة السامية – في تقدير عبد الوهاب المسيري – هي الافتراض القائل بأن اليهودي ليس له وجود فردي مستقل عن أمته، وأن اليهود أمة روحية ليست مثل كل الأمم، لكن ذلك الافتراض يجد تضادًا في القول: لكننا في حياتنا العملية الطبيعية كبقية الناس.

حدثتك عن تهمة معاداة السامية التي واجهها الكاتب البريطاني دافيد إرفينج ، والتى أدين بها – من قبل – الفرنسى روجيه جارودى، والأمريكى نورمان جي فنلكستين، وشخصيات عالمية أخرى، وجدت في المحرقة النازية لليهود أعوام الحرب العالمية الثانية ما يثير الشكوك، ويفرض علامات استفهام هائلة.

لأستاذنا الدكتور جمال حمدان كتاب صغير اسمه ” اليهود إنثربولوجيًا ” بدايته التاريخية في العام 1800 قبل الميلاد، حين هاجر إبراهيم وقومه في دورة عكس عقارب الساعة، شمالًا بغرب، ثم جنوبًا على طول حواف الهلال الخصيب حتى وصلوا إلى حوران، ثم إلى فلسطين. وهناك ولد له إسحق، وولد لإسحق يعقوب، ومن أبناء يعقوب الاثنى عشر تأصلت القبائل الاثنتا عشرة الشهيرة في التاريخ والتوراة. ثم تعددت هجرات القبائل اليهودية إلى فلسطين .

السؤال هو: ما الصورة التى طالعت اليهود فى فلسطين؟

لقد كانت أرض كنعان، نسبة إلى سكانها الكنعانيين، والكنعانيون في التوراة أبناء كنعان بن حام بن نوح، وهم – فى أرجح الآراء – أول من سكن فلسطين. وإلى جانب الكنعانيين فثمة كوكبة أخرى من القبائل السامية الصغرى، لكن الحقيقة التاريخية المؤكدة أن الفلسطينيين هم وحدهم – تقريبًا – من بين كل العناصر والموجات المذكورة ـ أحدث عهدًا من العبرانيين فى المنطقة. وكان على العبرانيين – ليستقروا بأرض كنعان – أن يحاربوا الكنعانيين، لكنهم لم يسيطروا إلا على التلال والأراضى الفقيرة الداخلية، وظلت السهول الغنية في أيدي الكنعانيين الأصليين. وأغلب تاريخ اليهود في تلك الفترة – والكلام لجمال حمدان -تاريخ دموي لا أخلاقي يدور حول الحرب والغزو، وإن ظلت الهزيمة من نصيبهم بصفة عامة، وعلى أيدي الفلسطينيين بصفة خاصة. وفى منتصف القرن السابع عشر قبل الميلاد، أى بعد 150 سنة فقط من هجرة إبراهيم، هاجر يعقوب وأولاده إلى مصر نتيجة للقحط المشهور. ثم خرج بهم النبي موسى – من الجيل السابع بعد إبراهيم – حوالي 1300 قبل الميلاد ، هرباً من انتقام الفرعون رمسيس الثاني الذي اتهمهم بالتعاون – في خيانة واضحة – مع غزاة مصر من الهكسوس. وفي سنة 721 قضى سرجون الأشوري على مملكة إسرائيل الشمالية، ثم قضى بنوختنصر البابلي على مملكة إسرائيل الجنوبية في سنة 586، بحيث زالت إلى الأبد دولة اليهود فى فلسطين بعد حياة طولها أربعة قرون فقط، غلب عليها الطابع الدموى العنيف، فى حين أن كل إقامة اليهود المتصلة في فلسطين لم تزد عن ستة قرون من 1200 قبل الميلاد إلى 586 قبل الميلاد .

ويقول جمال حمدان: ” إن اليهود اليوم إنما هم أقارب الأوروبيين والأمريكيين، بل هم – في الأعم الأغلب – بعض وجزء منهم وشريحة، لحمًا ودمًا، وإن اختلف الدين. اليهود فى أوروبا وأمريكا ليسوا غرباء كما يدعون، أو أجانب دخلاء يعيشون في المنفى، وتحت رحمة أصحاب البيت، إنما هم من صميم أصحاب البيت نسلًا وسلالة، لا يفرقهم عنه سوى الدين. وغير هذا قلب بشع لحقائق التاريخ إنثربولوجيًا وغير إنثربولوجي”.

تضطرني المساحة المتاحة لمجاوزة موجات الشتات التي عاشها اليهود على مدى التاريخ، آخرها شتات العصور الحديثة في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وغيرها من دول أوروبا، وبالطبع فإنه لاتساع مساحات الشتات، وتعدد الدول التي استوطنها اليهود، فقد حدث بالتزاوج والتحول، اختلاط دماء عناصر شتى لا حصر لها. لم يعد اليهود عنصرًا بعينه متجمدًا على الديانة، ولا عادت الديانة مرادفة لعنصر جنسي واحد، بحيث يمكن القول إن يهودية دولة إسرائيل يمكن تلخيصها في تعبير “الصهيونية المعاصرة”.

 

 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
“جميع الحقوق محفوظة لأصحابها”

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة موقع بالبلدي ولا يعبر عن وجهة نظر المربع وإنما تم نقله بمحتواه كما هو من موقع بالبلدي ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *